كان صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم عليه رجل يرد السلام ثم يقول: لبيك - أي إجابة لك – وكان سلامه كاملاً، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولمَّا جاءه اليهود، وهم سبب كل المشاكل في الوجود، فما فيه أمريكا، وما فيه أهل الغرب الآن سببه تغلب اليهود عليهم وسيطرتهم على مؤسساتهم، فهم معدن الشر في الأرض كلها
فكانوا يأتون الرسول صلى الله عليه وسلم ويقولوا: راعناً يا محمد أي أنت أرعن، فظن المؤمنون أنهم يقولون: راعنا أي انظر إلينا، فكانوا يقولون مثلهم، فقال لهم الله في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا} البقرة104
لا تكونوا مثل هؤلاء القوم أهل الدهاء وأهل المكر وأهل الكيد
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: {دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فقال: عليكم، فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْلا يَا عَائِشَةُ، عَلَيكِ بالرِفْق وإِيَاكِي والفُحْش، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أولم تسمعي ما قلت، أنا رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في}{1}
وكان صلى الله عليه وسلم يُسلم على الصبيان، ويُسلم على النساء، وهناك جملة من الأحاديث في تسليمه على الصبيان، وتسليمه على النساء، منها ما رُوى عن أنس رضي الله عنه: {أنه مر على صبيان فسلَّم عليهم ثُمَّ حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ}{2}
وعن أسماء بنت يزيد قالت: {مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا}{3}
وعنها قالت: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا وَعُصْبَةٌ مِنَ النِّسَاءِ قُعُودٌ فَأَلْوَى بِيَدِهِ – أشار – بِالتَّسْلِيمِ}{4}
وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يشير بيده لمن يبعد عنه ولا يبلغه صوته، حتى نعرف أن كل ذلك وارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يترك رد السلام للعتاب، ونحن نعرف قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا عندما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم التوجه إلى بلاد الشام لغزو الروم، وكان ذلك في وقت الحر الشديد، ووقت جني محصول التمر، وتخلف ثلاثة من أصحابه الصادقين، وأشهرهم كعب بن مالك الشاعر، وتخلف آخرون من المنافقين، وبعدما رجع جاءوا يعتذرون، فكذب المنافقون وتركهم صلى الله عليه وسلم ولم يعبأ بهم
أما الثلاثة الصادقين فكان يقول أحدهم: يا رسول الله لم أكن في حال أفضل مما كنت فيه في هذه الآنات، في أطيب عيش وأرغد مال وأحسن حال، فيقول صلى الله عليه وسلم: أما هؤلاء فقد صدقوا الله فأمرهم إلى الله، ثم قال لأصحابه: لا تكلموهم ولا تسلموا عليهم ولا تردوا عليهم السلام ولا تخدمهم نساءهم حتى يأتيهم أمر الله.
لماذا فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حتى يظهر فيهم الحال الذي قال فيه الله: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ} التوبة118
لكنهم لو استمروا معهم على ما كانوا معهم عليه فلن يحسوا بذنبهم، ولن يندموا على ما فعلوا، وهذا السر في أن الحَبيب أمر أصحابه أن يتركوهم حتى يرجعوا إلى الصواب، لذلك أنا أهجر أخي إذا وقع في المعصية ليشعر أنه أذنب فيرجع إلى الله، ويتوب ليتوب عليه مولاه عز وجل.
والدليل على صدق هؤلاء القوم أن كعب بن مالك كان يسير يوماً في السوق فنادى عليه رجل وقال: أنا معي لك رسالة من ملك الروم، فأخذها فوجد فيها: بلغني أن نبيك قلاك، فتعال إلىَّ تجد المال الوفير، وكذا وكذا، فقال: هذا أيضاً من البلاء الذي أنا فيه، أيصل البلاء أن يطمع فيَّ ملك الروم؟ انظر إلى الصدق.
فأمر النبي أصحابه ألا يُلقوا عليهم السلام، وكان بينهم اثنين من كبار السن فاعتكفوا في بيوتهم، وكان أحدهما لا يستطيع أن يخدم نفسه فأستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخدمه زوجته، فوافق بشرط ألا يقربها، وكان أقواهم كعب بن مالك، وهو الذي كان يتعرض للناس ويلقي السلام ولا يسمع الرد، يقول: كنت آتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا؟{5} مع أن شرط رد السلام أن يسمع الرد لكن هذا تأديب وتهذيب من الحَبيب صلى الله عليه وسلم.
كذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا رأى أمراً من شخص ولم يعجبه لم يرد عليه السلام ، فعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: {أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْبَحْرَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، وَكَانَ فِي يَدِهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ حَرِيرٌ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ مَحْزُونًا، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَرِهَ جُبَّتَكَ وَخَاتَمَكَ، فَأَلْقِهِمَا، فَأَلْقَاهُمَا، ثُمَّ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْتُكَ آنِفًا فَأَعْرَضْتَ عَنِّي؟ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِي يَدِكَ جَمْرَةٌ مِنْ نَارٍ}{6}
وكان صلى الله عليه وسلم من شدة لطفه وأدبه إذا دخل على نائم وهناك مستيقظ يُلقي السلام على المستيقظ بحيث لا يُسمع النائم، أي بصوت خافت، وكان صلى الله عليه وسلم إذا بُلِّغ السلام عن أحد يقول فيما رواه الإمام أحمد وأبو داود أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {إِنَّ أَبي يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " عَلَيْكَ وَعَلَى أَبيكَ السَّلامُ}
هذا كان هَدْى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السلام، وأنتم تعلمون أن السلام اختاره له ولنا الله: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} الأحزاب44
أما غير ذلك فبعد تقديم سلام الله، لا ينبغي لأحد أن يبدأ بصباح الخير، أو مساء الخير، أو أهلا وسهلاً، أو مرحباً إلا بعد سلام الله، لأن الله قال فيمن قال ذلك من المنافقين: {وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} المجادلة8
نبدأ أولاً بالسلام ثم قل ما شئت بعد ذلك من التحيات، وهذا الأمر يكون في المواجهة أو في الهاتف أو في أي أمر من الأمور، وأحكام السلام موجودة في الكتب الشرعية لمن أراد أن يستزيد فيها.
وكان من آدابه صلى الله عليه وسلم إذا التقى بمسلم صافحه، ويقول فيها صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا لَقِيَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ تَحَاتَّتْ عَنْهُمَا ذُنُوبُهُمَا، كَمَا تَتَحَاتُّ الْوَرَقُ مِنَ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ، وَإِلا غُفِرَ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمَا مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ}{7}
وقد ورد أن رجلاً من عنزة قال لأبي ذر رضي الله عنه حَيْثُ سُيِّرَ مِنْ الشَّامِ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أبو ذر: إِذًا أُخْبِرُكَ بِهِ إِلا أَنْ يَكُونَ سِرًّا، قُلْتُ: إِنَّهُ لَيْسَ بِسِرٍّ،: {هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَافِحُكُمْ إِذَا لَقِيتُمُوهُ؟ قَالَ: مَا لَقِيتُهُ قَطُّ إِلا صَافَحَنِي، وَبَعَثَ إِلَيَّ ذَاتَ يَوْمٍ وَلَمْ أَكُنْ فِي أَهْلِي، فَلَمَّا جِئْتُ، أُخْبِرْتُ أَنَّهُ أَرْسَلَ لِي، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ، فَالْتَزَمَنِي –اعتنقني- فَكَانَتْ تِلْكَ أَجْوَدَ وَأَجْوَدَ"}{8}
أما من يأتي من سفر فكان يعانقه صلى الله عليه وسلم، وأحياناً يعانقه ويُقبِّله، جاء سيدنا جعفر بن أبي طالب من بلاد الحبشة، وكان وقت مجيئه تصادف مع فتح خيبر، فقام النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً واحتضنه وقبَّله وقال صلى الله عليه وسلم: {وَاللَّهِ مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أَفْرَحُ بِفَتْحِ خَيْبَرَ، أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ}{9}
جعل مجيء جعفر يساوي فتح خيبر، فانظر إلى وقع هذه الكلمة في القلب، حُسن الكلام هو سر هَدْي الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
وكان صلى الله عليه وسلم حتى مع ابنته السيدة فاطمة إذا أتته في منزله يقوم ويحتضنها ويُقبلها ويُجلسها بجواره، وإذا ذهب إليها يزورها تقوم إليه وتحتضنه وتُقبله وتُجلسه بجوارها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: {كَانَتْ فاطمة إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَامَ إِلَيْهَا، فَقَبَّلَهَا، وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا، قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا، فَقَبَّلَتْهُ، وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا}{10}
الإحترام حتى مع الإبنة أو الأباء ليُعلِّمنا أن دين الإسلام هو دين الأدب التام مع الخاص والعام، هكذا كان الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
{1} الصحيحين البخاري ومسلم {2} صحيح مسلم وسنن الترمذي {3} سنن أبي داود وابن ماجة {4} سنن الترمذي {5} الصحيحين البخاري ومسلم {6} معجم الطبراني {7} المعجم الكبير للطبراني والبيهقي عن سلمان {8} سنن أبي داود ومسند أحمد {9} الحاكم في المستدرك والمطالب العالية لابن حجر عن جابر بن عبد الله {10} الحاكم في المستدرك والبيهقي
منقول من كتاب {الجمال المحمدى ظاهره وباطنه}