بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم
أن الله عز وجل،أنزل آدم إلى الأرض ليكفر عن معصيته التي عصى ربه بها،وهي أكله من الشجرة،ولو لم يعص آدم ربه لكان البشر جميعاً في الجنة الآن،
وفي قصة آدم وذريته والخروج من الجنة،فقد أهبط آدم عليه السلام منها على وجه الكفارة للذنب الذي وقع فيه،وحذره الله منه ،كما قال سبحانه(فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى،إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى،وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى،فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى،فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى،ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى،قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى،وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)طه،
فكيف تعاقب الذرية من عهد آدم عليه السلام إلى قيام الساعة على ذنب واحد قد تاب منه صاحبه،وتاب الله عليه،وطويت صفحته ،والله عز وجل أرحم من أن يؤاخذ الناس كلهم بأكل والدهم من الشجرة،
ولو تأملنا لوجدنا أنه سبحانه خلق آدم عليه السلام أول ما خلقه ليعبد الله في الأرض،وليكون خليفة فيها يعمرها بطاعة الله،
وإنما كان ما جرى له في الجنة ابتلاء واختبار ليكون عبرة لمن بعده إلى قيام الساعة،وليس عقوبة لذريته على خطيئته السابقة،
ثم إن العقوبة تستلزم أحد أمرين،
إما إلحاق العذاب،أو الحرمان من خير أعطيه،
وكلا المعنيين لم يقع في حال بني آدم،فالعيش في الأرض ليس عذاباً بحد ذاته،بل هو خير وسعادة إذا كانت بطاعة الله ورضاه وإقامة شرعه،
وإنما هذا قدرهم أن يعيشوا دار الابتلاء ، ليستحقوا دخول الجنة برحمة الله لهم ، ثم باجتيازهم اختبار التكليف الذي تميز به الإنسان والجان عن سائر المخلوقات،
وانظر كيف جاء التعبير القرآني،في الآية الكريمة( يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ)الأعراف،
فالإخراج على وجه العقوبة إنما وقع لأبينا آدم وأمنا حواء،وأما ذريتهما من بعدهما فلم يكونوا وجدوا في ذلك الوقت أصلاً،ولم يخرجوا من الجنة على جهة الحقيقة،وإنما كانت حياتهم على الأرض تبعاً لأبويهم،وقد كان من حكمة الله في خلقه وتدبره لهم،
وقد هيأ لذلك التقدير والتدبير أسبابه،كما يقول الدكتور سفر الحوالي حفظه الله،موضع الاستخلاف،أساساً هو الأرض،وعليها يكون الابتلاء،وليس ذلك لعنة في ذاته،بل هو غاية الحكمة،
فقد خلق الله عز وجل،الإنسان ليعبده بإرادته الحرة،وأخبر الملائكة أنه سبحانه سيخلق خليفة في الأرض،يختلف في خلقه وتكوينه عن الملائكة،فاستخلاف البشر في الأرض أمر مقدر قبل خلق آدم عليه السلام،وقبل أكله من الشجرة،وإنما كانت المعصية سبباً لهذا المقدور،فإذا تخلف سبب معين،فقد يكتب سبب آخر لوقوع المقدور،
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله،إن الله لا يجعل الذنب ذنباً لمن لم يفعله،فإنه هو القائل( ولا تزر وازرة وزر أخرى )فمن الممتنع أن يضاف إلى محمد صلى الله عليه وسلم،ذنب آدم عليه السلام،أو أمته،أو غيرهما،
وقد قال تعالى(فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم)
وقال تعالى(فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية،معلوم أن إبراهيم كان أبوه كافراً ولم يؤاخذه الله بذنب أبيه،فكيف يؤاخذه بذنب آدم وهو أبوه الأبعد،هذا لو قدر أن آدم لم يتب،فكيف وقد أخبر الله عنه بالتوبة،
ثم يزعمون أن الصلب الذي هو من أعظم الذنوب والخطايا،به خلَّص الله آدم وذريته من عذاب الجحيم،وبه عاقب إبليس،مع أن إبليس ما زال عاصياً لله مستحقاً للعقاب،من حين امتنع من السجود لآدم،ووسوس لآدم،والله قادر على عقوبته،وبنو آدم لا عقوبة عليهم في ذنب أبيهم،
ويقول سيد قطب رحمه الله،ومن رحمة الله به كذلك أن جعل باب التوبة مفتوحاً له في كل لحظة،فإذا نسي ثم تذكر،وإذا عثر ثم نهض،وإذا غوى ثم تاب،وجد الباب مفتوحاً له،وقبل الله توبته ،وأقال عثرته،
فإذا استقام على طريقه بدّل الله سيئاته حسنات، وضاعف له ما شاء،ولم يجعل خطيئته الأولى لعنة مكتوبة عليه وعلى ذريته،فليست هنالك خطيئة أبدية،وليست هنالك خطيئة موروثة،ولا تزر وازرة وزر أخرى،
لقد نسي آدم وأخطأ،وتاب واستغفر،ولقد قبل الله توبته وغفر له،وانتهى أمر تلك الخطيئة الأولى،أية بساطة،وأي وضوح،وأي يسر في هذه العقيدة،
سجود الملائكة لآدم وامتناع إبليس،أمر الله الملائكة بالسجود لآدم تعظيماً وتشريفاً، فسجدو جميعاً إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين استكباراً منه على آدم، فقال الله له،ما منعك أن تسجد إذ أمرتك،قال إبليس أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، قال الله له،اخرج منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين، فكان جزاء إبليس لعصيانه لأمر الله خروجه من الجنة إلى الأرض فكان هذا سببا لكراهية إبليسلآدم وذريته وتوعده لهم بأغوائهم أجمعين،
قال تعالى( فدلّاهما بِغرور فلمّا ذاقا الشجرة بدت لهما سوْءتهما وطفِقا يخْصِفانِ عليهِما مِن ورقِ الجْنّةِ وناداهما ربهما ألمْ أنهكما عن تِلْكما الشجرةِ وأقل لّكما إِنّ الشيْطن لكما عدوّ مّبِينٌ).
خلق الله تعالى سيّدنا آدم وزوجته حوّاء من الطّين، وكرّم تعالى آدم عن طريق إعطاء الأمر للملائكة بأن يسجدوا له، فسجدوا له جميعاً إلّا إبليس، فقد أبى ذلك مستكبراً، وكرّم الله تعالى آدم وزوجته أيضاً بأن أسكنهما الجنّة متمتّعين بكلِّ ما فيها من نعيمٍ إلّا شجرةً واحدة عيّنها الله لهم، ونهاهما أن يأكلا منها مبيّناً لهما أنّ قربهم منها سيكون فيه ظلماً لأنفسهم، فعليهما أن يبقيا بعيداً عن هذه الشجرة حتّى يعيشان بنعيمٍ كبير.
عاش آدم وزوجته في نعيمٍ دائم حتّى جاء إبليس ووسوس لهما بأن يأكلا من تلك الشجرة الّتي نهاهما الله تعالى عنها، مقنعاً إيّاهما بأنّ الأكل منها سيجعلهما من الخالدين، أو من الملائكة، وأقسم لهما بأنّه من الناصحين ويريد مصلحتهما، فاغترّ كلّ منهما بقوله فأكلا من الشجرة، فبدت لهما سوءاتهما وأخذا يستران عليها من أوراق الجنّة، وبذلك خالفا أمر الله تعالى حتّى استخلفهما في الأرض حتّى تنشأ الذريّة،
موقع الإسلام سؤال وجواب،